21/10/1994
Lettre ouverte à Monsieur le président de l'Etat
Monsieur le président;
Les commissions permanentes du mouvement culturel(MCA), se sont réunies aujourd'hui le 21/10/1994 à Batna et après un long débat sur la situation dans laquelle se trouve le pays:
Démocratie piégée à sa naissance.
Culture folklorisée.
Identité confisquée et ignorée.
Au moment où les algériennes et les algériens se trouvent devant un lendemain incertain, notre école continue à travers son système éducatif à déformer nos enfants allant même contre les valeurs humaines et la personnalité algérienne, ce qui a poussé des centaines de milliers à la boycotter.
Le gouvernement a décidé l'installation d'une commission dont les membres ne représentent qu'eux mêmes et ce pour banaliser une cause noble.
Ainsi le MCA fidèle aux objectifs de son premier sémianire d'Arris en 1990, fidèle à sa plate-forme de revendications du 20/04/1994 à Batna;
rejette toute idée de commission ou autre projet avant la reconnaissance officielle de Thamazighth, langue et culture.
Monsieur le président;
Vu la siruation transitoire que traverse le pays, les algériennes et les algériens et l'Histoire vous demandent d'intervenir pour réconcilier l'Algérie avec son identité et ses valeurs millénaires par l'officialisation de Thamazighth: Identité, Culture et Langue.
Monsieur le président;
L'Algérie se prépare à fêter le quarantième anniversaire du 1er Novembre 1954, le MCA ne se sent pas concerné par cette commémoration tant la vraie liberté reste confisquée.
Ainsi Monsieur le président;
Une occasion se présente à vous de ne plus gouverner un pays dont l'identité n'est pas reconnue, une occasion de vraie liberté pour notre pays.
Vive l'Algérie.
Gloire à nos martyrs.
Awras Ass N 21/10/1111

الأرضية السياسية و المبادئ العامة للحركة

الأرضية السياسية و المبادئ العامة للحركة

أولا، ملامح الحركة:

La rencontre par AMCAالحركة الثقافية الأمازيغية حركة نظال، مطلبية، جامعة لشعب شمال إفريقيا و موحدة له حول قضية اللغة و الهوية و الثقافة و التاريخ الأمازيغي بكل مراحله: ما قبل التاريخ، النوميدية، الرومانية-البيزنطية و الإسلامية، هي حركة سلمية بمعنى: حركة ضد العنف بكل أشكاله، ضد استعماله من طرفها أو ضدها و تندد به باستمرار. الحركة الثقافية الأمازيغية قوة ديموقراطية اجتماعية و قوة سياسية تضم كل مواطني شمال أفريقيا ذوي القناعات السياسية التي لا تتنافى مع وحدتها و أهدافها و مصالحها. بطبيعتها الديموقراطية الحركة الثقافية الأمازيغية ليست و لن تكون شوفينية و لا رجعية بل بالعكس ستظل حركة بدون أية عقدة، تدعو إلى التفتح على كل أبعاد الثقافة العالمية و يندرج نضالها في إطار المد الديموقراطي للشعب الأمازيغي.

ثانيا، أهداف عامة:

الحركة الثقافية الأمازيغية، تناظل من أجل: 1. الاعتراف الرسمي و الدستوري من طرف الأنظمة الحاكمة في شمال إفريقيا بالعمق الأمازيغي لهوية الشعب الشمال-إفريقي. 2. ترقية الثقافة الشعبية الأمازيغية بتعبيراتها المختلفة و التراث الأمازيغوفوني بصفة خاصة. 3. تطوير وترقية الانتاج الثقافي باللغة الأمازيغية. 4. التكفل التام، من طرف الأنظمة الحاكمة في شمال إفريقيا، بمصاريف تعليم اللغة الأمازيغية. 5. التعميم التدريجي لاستعمال اللغة الأمازيغية على مستوى المحيط، الإعلام ، الإدارة ، العدالة ،،،إلخ. 6. تخصيص مبالغ مالية محددة من طرف الدولة، في القوانين المالية السنوية، تصرف خصيصا للجمعيات و هيئات البحث العلمي و الفني و التاريخي العاملة في الحقل الثقافي الأمازيغي.

ثالثا، مطالب محددة:

الحركة الثقافية الأمازيغية، تطالب السلطات الحاكمة في شمال إفريقيا ب..1. الاعتراف بالعمق الأمازيغي لهوية شمال إفريقيا. 2. الاعتراف الدستوري باللغة الأمازيغية بمعنى لغة وطنية ورسمية. 3. فتح أكاديمية ومعاهد جامعية لتطوير وترقية و توحيد المتغيرات المحلية للغة الأمازيغية. 4. تثمين مختلف أوجه الإنتاج الثقافي الفني الأمازيغي كالفنون التشكيلية، المسرح، الغناء، النحت...إلخ و الحرف التقليدية ، كالنسيج، الصياغة، النجارة، الأواني...إلخ عبر إدراجها في المدارس و المعاهد المهنية المتخصصة. 5. فتح تخصصات علمية أمازيغية في الجامعات في المواد ذات العلاقة بالثقافة الأمازيغية كالتاريخ القديم، الانتروبولوجيا، الآثار، الهندسة المعمارية، الفنون و الحرف الشعبية، الأدب الأمازيغي،...إلخ. 6. الدعم المالي و القانوني لكل أوجه البحث العلمي المتخصص في الثقافة، اللغة، و التراث الأمازيغي. 7. تكوين المكونين و معلمي اللغة الأمازيغية. 8. استعمال اللغة الامازيغية في وسائل الإعلام العمومية كقنوات الراديو ، الصحافة المكتوبة، الصحافة السمعية-البصرية. 9. إدماج اللغة الأمازيغية في الإدارة العمومية كالبلديات ، المحاكم ،،،إلخ. 10. بناء متاحف متخصصة في الأثار الأمازيغية. 11. وضع حد للاعتداء على المعالم الأثرية و إصدار قوانين أكثر صرامة في هذا الاتجاه. 12. إعادة اعتماد التسميات الأمازيغية الأصلية لمختلف المدن و القرى و الأماكن. 13. رفض التسميات الاحتوائية لشمال إفريقيا كشعار "المغرب العربي". 14. رفض التقسيم المصطنع لشعب شمال إفريقيا إلى عربي و أمازيغي و كذا التفتيت القبلي و الجهوي.

رابعا، وسائل العمل:


إن الطرق و الوسائل التي تتبناها الحركة سلمية و شرعية و متناغمة مع القوانين الديمقراطية وهي النضال عن طريق الحركة الجمعوية و التحسيس و التعبئة عن طريق تكثيف وتعميم و تثمين و نشر الإنتاج الثقافي الأمازيغي، تنظيم لقاءات دورية للمناضلين، إعداد مواقع الكترونية، مدارس جمعوية، ورشات فنية، معارض، تجمعات و مسيرات سلمية واعتماد كل تقنيات التبليغ الشرعية، تكثيف إنشاء الجمعيات و النوادي الثقافية، الرياضية، المهنية، الفنية الأمازيغية على المستوى الوطني، المساعدة على رفع مستوى إطارات الجمعيات خاصة في اللغة الأمازيغية وفي الإنتاج فيها، التلاقي مع الجمعيات الوطنية و الشمال-إفريقية و الأجنبية قصد التبادل و التعاون، تنظيم حملات مباشرة أو إعلامية للتعريف و التوعية موجهة للثانويين و الجامعيين و المواطنين بصفة عامة.

خامسا، خاتمة:

الحركة الثقافية الأمازيغية ليست وليدة اليوم بل تضرب بجذورها في عمق الشمال الإفريقي منذ عشرات السنين و لقد شهد لها الجميع بمساهمتها القوية في ترقية الديموقراطية بالجزائر و المغرب على الخصوص و تعد من أهم عوامل بروز المجتمع المدني والتعددية السياسية في شمال إفريقيا، إن الحركة الثقافية الأمازيغية ليست حزبا ولا تابعة لحزب و لا تعمل للوصول بالقوة إلى السلطة، بل هي حركة مستقلة و ديموقراطية، مفتوحة لكل إنسان يؤمن حقيقة بالحقوق الثقافية و اللغوية لشعب شمال إفريقيا، بانتماء سياسي أو بدونه ، بشرط أن لا يكون مسئولا في حزب معين أو مرتبطا على مستوى عال مع السلطة، إن الحركة الثقافية الأمازيغية بإمكانها أن تتخذ و تعلن موقفا تجاه كل القضايا الثقافية و السياسية، تناضل مع كل القوى الديموقراطية في شمال إفريقا و في العالم من أجل دمقرطة لا مشروطة للحياة السياسية والثقافية في شمال إفريقيا، تناضل ضد كل أنواع القمع وتساند كل ضحاياه، بإمكان الحركة الثقافية الأمازيغية أن تشارك في النقاشات ذات العلاقة بالإشكاليات الثقافية والديموقراطية الوطنية، الشمال-إفريقية أو العالمية.

اللوائح النوميدية أو فلسفة الحركة الثقافية الأمازيغية

مقدمة

1- الفرصة الأخيرة:

عندما تمكن ماسينيسا من بسط نفوذه على شمال أفريقيا بلاد الأمازيغ كان بإمكانه توحيدها نهائيا فسقطت قرطاج و دخل الرومان ، فكانت تلك فرصة ضائعة.
لما تمكن الموحدون من السيطرة على شمال إفريقا، دخل بنوهلال، خربوها فتركوها قاعا صفصفا كما قال ابن خلدون، فكانت تلك فرصة أخرى ضائعة.
إن ظهور الحركة الثقافية الأمازيغية المعاصرة فرصة قد تكون الأخيرة لسبب بسيط ، هو أن للثقافات المجاورة حاليا وسائل غزو جهنمية بإمكانها سحق أية ثقافة ضعيفة في عقر دارها.
لحسن الحظ فإن أغرب ما جادت به الحضارة الغربية المعاصرة هو عدل قواعدها، فوسائل الاتصال القوية التي اخترعتها، وضعتها بين أيد كل الثقافات بكيفية عادلة تمنحها في ذات الوقت الاختيار بين استغلالها لحفظ كيانها أو الوقوع فريسة لها، إذ بإمكان غيرها استعمالها.
فإذا كان العالم القديم ملكا لمن يستيقظ باكرا كما يقال، فعالم اليوم يقع تحت رحمة المالكين لتقنيات الاتصال و علومه، إنها حقا الفرصة الأخيرة.

- الأمازيغ في مفترق الطرق:

إن شعبنا اليوم، و تحت تأثير إرادات شريرة، خفية و بينة، استحال كدسا متعفنا، عاجزا عن القطع في اتجاه ما، واقفا في مفترق الطرق، فريسة لصراع دموي بين مذهبين: مذهب مربوط للشرق، سجين الروحانية و اللاعقلانية، تستثمر فيه برجوازية شرهة شحذت سطوة الأموال المشبوهة عضلاتها و ملأت أوهام الجهل المدقع رؤوسها، فانبرت تستثمر ماليا و سياسيا في سذاجة الطبقات المستجهلة من الشعب التي تريحها الخرافات المبهمة و تؤنسها القوالب الجاهزة، و مذهب آخر أسير وجهة غربية متزمتة، ترتادها طبقة من المثقفين اتخمت عقولها بعض القيم الغربية المتطرفة في الدعوة إلى نبذ الماضي بكل أشكاله.
بغض النظر عن تراجيدية هذا الصراع و عبثية هذا الوضع، فنحن في الحقيقة أقرب ما نكون من الطريق الصحيح، ذلك الذي تتعلق صحته بانتقاء نقدي، يتيح لنا تأليف مزيج متجاوب بين العناصر الخصبة من تراثنا و القيم الديمقراطية المتفتحة، هذا المزيج المتجانس هو وحده الكفيل بالقضاء على هذا التردد المرضي الناتج من صراع القيم التقليدية المرفوعة من أولئك و قيم العصرنة المرفوعة من هؤلاء.

مفاهيم غامضة

1-الثقافة العربية:

الثقافة لصيق جوهري بالمجتمع، تتحدد و تتطور قيمها تبعا للظروف الطبيعية، وسائل الإنتاج، المحيط الثقافي المجاور الذي يؤثر و يتأثر به، مسار الوقائع التاريخية التي عاشها الشعب ...إلخ.
و عليه فإن الكلام عن ثقافة عربية تمتد من الخليج الفارسي إلى المحيط الأطلسي، لا يعدو أن يكون إلا اجترارا لمقطع تسلطي من الحلم الشمولي الذي ما فتئ يدغدغ غرائز الهيمنة لدى منظري حركة "البعث العربي".
إن العناصر المحددة للثقافة، المذكورة آنفا، قضت أن تتميز هذه المجتمعات المتجاورة بين الخليج و المحيط، بخصوصيات طاردة، تدفع ببعضها بعيدا عن بعض و السبب هو تحديدا ، الاختلاف العميق بينها في القيم الثقافية.
إن مفهوم "الأمة" مثلا هذا المكسب العريق للشعب الأمازيغي الذي فضلا عن ظهوره المبكر ( ماسينيسا، مؤسس الأمة النوميدية توفي سنة 149 ق.م.) و اشتداد صلابته بسبب المواجهات الكثيرة لشعبنا مع مختلف المستعمرين الوافدين، هذا المفهوم لم يتحقق عند قبائل الجزيرة العربية إلا في القرن السادس الميلادي بفضل الشحنة الوحدوية و التوحيدية للإسلام، هذه الملاحظة وحدها، ربما تكفى لرد المطامح البعثية الرامية إلى أن تجعل من إحدى أقدم أمم العالم ذيلا لأمة يتذكر معمروها تاريخ ظهورها الأول.
إن المحاولات الرامية إلى ربط الثقافة الأمازيغية بغيرها من الثقافات الشرقية أو الغربية، ميئوس من نجاحها لأن الثقافة الأمازيغية تقوم على معطيات موضوعية لا يمكن تجاوزها وهي حقائق: عرقية، تاريخية، اجتماعية، ثقافية و جغرافية لا نظير لها خارج الشمال الإفريقي، تماما مثل الثقافة العربية التي لا يمكنها أن تعني شيئا خارج حدود الجزيرة العربية.

2- الثقافة الإسلامية:

كل تعاريف كلمة "ثقافة" تفيد، و بصفة دائمة تقريبا المعنى التالي : ( لكل مجتمع ثقافته الخاصة به) و هذا الذي يفسر سبب إرداف كلمة "الثقافة " غالبا ، بنعت مشتق من إسم علم ، فيقال " ثقافة إنجليزية"، "ثقافة فرنسية"، "ثقافة عربية"، "ثقافة أمازيغية" ...إلخ، ثم من السهل الملاحظة أن مجرد انطلاق النقاش حول الثقافة يكفي للانزلاق نحو الحديث عن المجتمع.
إن أهمية الثقافة تأتي أساسا من هذه العلاقة التي تربطها بالمجتمع فالثقافة مفهوم لا يمكن استيعاب معناه إلا بالنسبة إلى قومية موجودة فعلا.
و بالتالي فإن العبارات التالية " الثقافة الإسلامية"، "الثقافة المسيحية"، "الثقافة البوذية" ...إلخ ليست إلا مفاهيم تفيد تصنيفا أو تكديسا على أساس الدين لثقافات قد تكون مختلفة جدا، فعبارة " الثقافة الإسلامية " مثلا لا يمكن إلا أن تعني مجموعة من الثقافات المختلفة قليلا أو كثيرا، تحتكم في قيمها الدينية إلى نفس المرجع، إن حدة الاختلاف الثقافي بين المواطن الاندونيسي و المواطن الأمازيغي لم يمنع انتسابهما معا للعالم الإسلامي، فالأجدر بمن يتوخى الدقة أن لا يأخذ هذا المفهوم إلا قي صيغة الجمع أي "الثقافات الاسلامية

3-الثقافة الإفريقية:

من الصعب فعلا تجاهل العلاقات الكبيرة التي تربط شمال إفريقيا بجنوبها، فالعلاقات كانت في غاية العضوية، قديما ، بين إثيوبيا ومصر الفرعونية، بل أن هذه الأخيرة استطاعت أن تنسج جسورا قوية مع كل الجنوب- الشرقي الإفريقي و بموازاة هذا المحور نحو الغرب بلاد الأمازيغ أيضا كانت تتمتع بعلاقات صلبة مع حدودها الجنوبية : النيجر، مالي، التشاد...إلخ و إلى الشرق حتى السودان و مدينة "تومبوكتو" العريقة وحدها تكفى للاستدلال على قوة العلاقة الموجودة في زمن غابر بين الأمازيغ و شعوب الصحراء الكبرى و مع ذلك فإن مجرد فحص بسيط للتقاليد و المؤسسات الاجتماعية يفصح عن اختلاف جوهري بين الشمال و الجنوب.
إن الاختلافات الثقافية المحسوسة جدا بين الأمازيغ و جيرانها الشرقيين "المصريين" رغم القرب، تجعل الحديث عن تشابه ثقافي مع الجنوب أمرا صعب التصديق.
إن عبارة " الثقافة الإفريقية " تمسي فارغة المحتوى، عديمة الجدوى إذا لم تؤخذ في صيغة الجمع: "الثقافات الإفريقية".

4- الأمة العربية:

الأمة تجمع بشري يتميز أساسا بتصور جماعي و موحد لهويته، لتاريخه و لثقافته و بالتالي بمنظومة اجتماعية واحدة.
نظريا، الأمة مستعصية عن الانقسام حتى و لو لظروف سياسية معينة بدت غير موحدة جغرافيا. إن وحدة التصور الناتجة عن الاحتكام لنفس القيم الثقافية، تقضي باستحالة أن يكون أفراد الأمة وراء تصدع وحدتها، فإذا كان التاريخ يحفظ لنا أمثلة كثيرة عن انقسام الأمم، فإنه غالبا ما يرد الأسباب لصراع الزعامات القائدة للكتل الشعبية، هذه الزعامات ما أن يضعف تأثيرها حتى تعود أجزاء الأمة للالتحام من جديد، إن المثال الألماني المعاصر بقدر ما يبرر هذا الطرح، يدل على روعة و صلابة الوحدة الثقافية.
و في الاتجاه المعاكس، إن أية محاولة لتذويب ثقافتين مختلفتين، إحداهما في الأخرى، يؤدي حتما إلى انفجار قوي لعزوم المقاومة من جانب الثقافة المستضعفة، معبرة بذلك عن رفض احتوائها من غيرها و لعل المثال الروسي أحد أقوى الأدلة على أن الوحدة التي تعني الاحتواء لا يمكن لها إلا أن تكون قصيرة العمر.
إن لامنطقية المطامح البعثية يعكسها هذا الإصرار الأصم من روادها المنسلخين من ثقافة أمتهم على ضم بلاد الأمازيغ إلى هذا الكائن الخيالي المسمى "الأمة العربية"، فإذا كانت الوحدة العربية تبدو تقريبا مستحيلة بالجزيرة العربية نفسها، فإن امتدادها إلى شمال إفريقيا و المحيط الأطلسي، لا ينم إلا على مبالغة لامنطقية تؤججها شهوة جامحة.

التاريخ


1- عراقة الثقافة الأمازيغية:

كل المؤشرات العلمية و التاريخية تدل على كون الثقافة الأمازيغية إحدى أقدم ثقافات العالم، فعلى امتداد آلاف الكيلومترات المربعة بصحرائنا و بالهضاب العليا (التاسيلي، الجلفة ، البيض،...) تمتد متاحف طبيعية هائلة، مليئة بالرسومات و النحوت، تدل كلها على أن الحضارة الأمازيغية كانت قد بلغت أوج رقيها، مبكرا، في عصور ما قبل التاريخ .(بعض البحوث المشبوهة ترجع هذه المتاحف الطبيعية لشعب يقولون عنه منقرض رغم الأدلة على استمرارية هذا الفن في مختلف الفنون و الحرف الأمازيغية المعاصرة).
بفن راق، على واجهات صخرية، سجلت أيد متمرسة، بدقة متناهية و بألوان زاهية، مناظر تحكي يوميات حياة رائعة، لشعب تدل دقة أفكاره و درجة إتقانه التعبير عنها، أنه يملك قرونا من التجربة الفنية في حين يكون وجوده قد بدأ قبل ذلك بآلاف السنين.

2- التأثير الثقافي العربي:


الحوادث التي عاشها شعبنا مع دخول العرب، تبدو و كأنها إعادة أمينة لدخول الرومان إلى شمال إفريقيا، الاثنان نفذا من الشرق، الأول عبر قرطاج على إثر انتصاره على الفينيقيين و الثاني عبر القيروان على إثر انتصاره على البيزنطيين و الاثنان لقيا مقاومة شرسة من طرف سكان الأوراس.
إذا كان المؤرخون يتحدثون عن الاستعمار في كلتا الحالتين فإن المؤرخين العرب يفضلون الحديث عن دخول الإسلام و ليس العرب.
إن قوة الثقافة الأمازيغية دفعت على مر الأزمنة كل النازحين إلى الاختيار بين نوعين من الفناء، إما الاندماج أو الرحيل، و لعل الإحساس بهذه الحقيقة هو الذي يغذي مخاوف الاعتراف بالهوية الأمازيغية لشمال إفريقيا.
إن الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها هي أن التأثيرات الثقافية العربية (التي بدأت بعد القرن الحادي عشر، على إثر النزوح الهلالي المزعوم) تلقاها شعبنا بنفس طريقة تلقيه لثقافات الوافدين الذين مروا من هنا، لأنه من الصعب البرهنة على أن الثقافة العربية (الهلالية) أضافت عناصر مجددة للثقافة الأمازيغية، فبعد النزوح الهلالي يقرن فقط، تم تخريب كل إنجازات الدول الأمازيغية التي تأسست في العهد الإسلامي و قبله و هكذا أرض الأحرار تقع فجأة ، فريسة لكارثة حقيقية ميزها اختراق سرطاني مميت للنسيج الثقافي، الإجتماعي و اللغوي.

3- الدولة الوطنية و مناوئة المثقف:

قد لا يختلف اثنان في أن شمال إفريقيا اليوم، ينفرد بإحدى أرذل الممارسات التي يمكن أن يتميز بها مجتمع بشري متحضر و هي معاداة المثقف، حتى أن أشهر عبارات التهديد في التعبير الشعبي هي " أنت تفهم بزاف ..." .
إن هذه التسوية بالأدنى -Nivellement par le bas- الرامية أساسا إلى إسقاط متماثل لكل من المثقف و الجاهل كان قد عرف ظهوره أثناء ثورة التحرير الكبرى و الكل يعلم عدد المجاهدين الذين اغتيلوا أثناء الثورة و الذين لا تجمعهم إلا ميزة مشتركة واحدة، قد تكون سبب هلاكهم، و هي أنهم كلهم متعلمون و ذوو مستويات ثقافية و سياسية رفيعة.
الظاهرة امتدت بعد الثورة لتصبح ممارسة وقائية يمارسها أميو الأنظمة الحاكمة لشمال إفريقيا.
و هكذا أجبرت الفئة الذهبية لهذه المجتمعات إما على الهجرة نحو الخارج أو في أحسن الأحوال على السكوت الذي لا يمكن أن يعني إلا التواطؤ.

4- الدولة الوطنية و الاستعمار:

عكس ما كان منتظرا، الدولة الوطنية (دول ما بعد الاستقلال) لم تفشل و فقط في تنقية المنظومة الثقافية من مخلفات المسخ الثقافي الاستعماري، بل لم يسبق لهذا المسخ أن بلغ عمق المجتمع بالقدر الذي بلغه على عهدها.
فبقميص مسرحي، يظهرها في هيئة مدافع شرس عن الثقافة الشعبية، استثمرت الدولة الوطنية أموالا ضخمة في قطاعات حيوية (التربية و التعليم و الإعلام ...) لتزيد الطين بلة باستيراد و فرض نمط آخر من المسخ الثقافي، من الشرق هذه المرة، لينظاف إلى الإرث الإستعماري ويزيد من خنق الثقافة الشعبية الأمازيغية بكل تعابيرها (العربية المغاربية و الأمازيغية) و ليفضي في الأخير إلى حرب هدامة بين المثقفين المسيرين المعربين و المفرنسين، هذه الحرب الاهلية الصامتة التي كانت و ما زالت السبب الرئيسي في عدم استقرار المؤسسات في الدول الأمازيغية هي أحد أكثر أسباب التخلف و ضوحا في شمال إفريقيا.

5- الصيغة التنفيذية لبرنامج طرابلس، جوان 1962:


هذا البرنامج المعد بطرابلس و بمصر يعرض بجلاء مفهوما تقاعسيا للإصلاح الثقافي و لعل محور الثقافة بهذا البرنامج هو الوحيد الذي يتسم بهذا القدر من الوضوح، فتحت عنوان " ثقافة وطنية ثورية و علمية " يلاحظ البرنامج أن "ترميم الثقافة الوطنية تعد من بين كل المهام أكثرها تعقيدا" و هكذا في مواجهة الآوراسين، خلال أول زيارة له إلى أريس، لم يجد الرئيس بن بلة أبلغ ما يفتتح به خطابه إلا عبارة " نحن عرب، نحن عرب، نحن عرب" و تواصلت حلقات البرنامج بتنفيذ قرارات متطرفة، كان أخطرها على الإطلاق، منع جريدة Alger ce soir الجريئة ثم تعددت طرق الضغط لتخلق ميلا عاما لدى رؤساء الجرائد نحو مراجعة النصوص و العناوين، إلى أن استقر الأمر ببروز الظاهرة المشهورة و المعروفة بـ "المراقبة الذاتية" "L ’auto-censure" و التي كثيرا ما تقضي ببعض الصحافيين إلى نوع من التحمس في مدح السلطة يفوق ما تطلبه هي منهم.
في الفاتح أوت 1962 كان فتح الإذاعة و التلفزة الجزائرية RTA المعروفة منذ ذلك الحين بجريدة أخبارها المملة، الناطقة بعربية كلاسيكية يستحيل أن تخترق آذان الجزائريين، ضمن برنامج سخيف لا ينم إلا عن احتقار ذميم للذوق الشعبي، إن عدم تحرير الإعلام المرئي من احتكار الدولة بفتح قنوات وطنية أخرى أو على الأقل بفتح القناة الثقافية التي طالما طالب بها المثقفون الواعون بمشكل شفوية الثقافة الوطنية، بتعبيريها (العربية المغاربية و الامازيغية)، هذا الاحتكار أعطى للقناة الوحيدة، رغم رداءة برامجها، تأثير خطيرا ما فتئ يتضخم بسبب انعدام المنافسة.

الثقافة

1-وصف الثقافة :

لن تكون الإطالة مفيدة في هذه الفقرة، لأن الحديث فيها لا ينتهي، فمعنى كلمة ثقافة الأصلي (الكلمة اللاتينية: فلاحة)، مفهوم يأتي في النقيض المباشر للغريزة التي هي معطى تفرضه الطبيعة، بينما الثقافة إنجاز بشري كثير التعقيد يتمثل في الأشياء المادية في أساليب الصناعة، في أنماط المعيشة، في المؤسسات الإجتماعية، السلوكات ، الأفكار ... إلخ.
بهذا المفهوم، يمكننا استشفاف أهمية الثقافة باعتبار علاقتها المباشرة بكل المنظومات التي تحكم الحياة البشرية (الأخلاقية، الإقتصادية، السياسية، الإجتماعية، النفسية و العلمية...إلخ) فهي أهم الوسائل على الإطلاق، لفهم الإنسان في صراعه الغريزي مع الطبيعة و في صراعه الإيديولوجي مع أقرانه وكذا في علاقته بنفسه.
إن شمولية الظاهرة الثقافية، تبدأ من تسيير توازنات الحياة العائلية إلى العلاقات الدولية، مرورا بالتوازنات الجهوية و من أكثر مظاهر الحياة بساطة (مثل الأواني المنزلية) إلى أدق السلوكات الإنسانية (مثل البسمة) .و بصفة مختصرة يمكن وصف الثقافة و ليس تعريفها، بكونها محصول التجربة الإنسانية، لمجتمع ما، في نظمه: السياسة الاجتماعية، الاقتصادية و النفسية، يتيح له التكيف المثالي مع بيئته و محيطه.
فالثقافة تضع بين أيدي الإنسان حلولا صحيحة (بالتجربة) لمشاكل حياته كفرد أو كمجتمع.

2- بداية الظاهرة الثقافية :


- الطبيعة الأولى :

لنتخيل إنسانا عاريا أو شبه عار، في فجر الأزمنة الغابرة،- عندما كان يسترق السمع لكل ما يدب قرب كهفه و هو في غمرة تهذيب صخرة أو تسنين عظم، ليدفع به عن نفسه الوحوش الضارية التي تملأ الغابات المحاصرة لكهفه.

بداية التفكير:

في الشتاء، عندما تستسلم الغابة لجنون الرياح العاتية و تنحني أشجارها العملاقة مرهقة تحت وطأة الثلوج المتكدسة على أغصانها العظيمة، لاشك حينها، أن ذلك الإنسان الأول غارق يفكر بعمق، كيف يسكت نداء الجوع أو كيف يرفع تحدي الخوف من تلك الوحوش السافرة أو حتى كيف يتخلص من نفخات ذلك البرد القارص.
في الصيف عندما تطفح الغابة بكل أنواع الحياة و تتضاعف الوحوش و الحيات، لاشك حينها، أنه منثن يفكر بعمق و ربما بحزن دفين، كيف يتفادى لسعاتها القاتلة أو كيف يتوارى عن مواجهتها أو حتى، إذا أرغم، كيف ينقض عليها ليصرعها.

- الحاجة أم التفكير:


لا شك أن فؤاده، و هو في ذروة الحيرة، ينفجر أشلاء في ملاحقة أفكار ضائعة إذا أحس بوجع في الرأس أو بانتفاخ في الجلد أو بألم في البطن، لكنه لا ينتهي من التفكير.
أمام كل هذه الألغاز بإمكاننا تخيل الأحاسيس التي تتملكه بل و حتى سرعة نبضات قلبه تزيد بدورها من حجم تساؤلاته و لكنه يصمد، يقاوم و يعيش.

-اكتشاف الموت :

و لنتخيله الآن عندما يسقط زميله و ربما أبنه أو حبيبته، فينثني ثم يجلس فيقلبه، لكنه يأبى النهوض، يستلقي إلى جانبه ضائعا ينتظر استيقاضه، يطول الأمر فيحس برائحة كريهة، يتجاهلها لكنها تحتد، فيبتعد قليلا و لكنه ينتظر، تنقض على صاحبه ديدان صغيرة فتلتهمه، حينها و بأسى ينسحب ليخبر زملائه، بطريقة ما، بأنه مات، ثم ينصرف و لكن بسؤال جديد، ما الموت ؟

- اكتشاف الحياة:

و تتآكل السنون و القرون، فيتخلص من الجوع، من البرد، من الحرارة يهزم الوحوش و يتغلب على الحيات، ينظم نفسه، يتسلح، يكتشف العقاقير، يبني مأواه و يحصنه، و لكن اللغز الوحيد الذي عجز عن فهمه و بقي يحيره هو الموت، لقد كان بإمكانه أن يملك مصيره بين يديه لولا ظاهرة الموت.

- قتل الموت أو اكتشاف الثقافة :

تحت وطأة افتتانه بالحياة و تعلقه بها.
لقصر أيامه فوق هذا التراب.
لم يجد الإنسان إلا الثقافة ليرفع بها تحدي الموت.
بالثقافة استطاع الإنسان أن يحقق حلمه في الخلود و أن يمدد عمره إلى مالا نهاية.
إن الثقافة رفض للموت و رفض الثقافة هو الرضى بالموت.

3- إيجابية الحوار الثقافي:

من الواجب الإشارة إلى خطورة حمل الحكومات للناس على تبني سياسة ثقافية معينة لإرضاء مقتضياتها السياسية، لأن التسلط الثقافي يندرج في علاقة جدلية بين الحرية و الإكراه.
خاصة إذا علمنا أن الشعب نفسه لا يملك اختيارا آنيا لقيمة الثقافية، فهي معايير مؤسسة بعيدا عن إرادته المباشرة، أملتها حوادث و حالات سبقته في الوجود وحددتها عوامل تاريخية، جغرافية و نفسية.
في حين من الأهمية بمكان، تشجيع الحديث الثقافي حتى و لو كان يعبر عن السلبية و التمرد على القيم السائدة، لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة التي بإمكانها تمكين الشعب من ممارسة ثقافته بوعي و من ثم إمكانية هضمه لأي إصلاح مقترح بعد تقديره لما يمليه من منافع و أضرار.
إن فشل معظم الإصلاحات الثقافية، في بلادنا، يعود أساسا إلى عدم حصولها على رضا الطبقات الشعبية، هذا الرضا أو هذه التأشيرة لا تتأتى إلا بحوار ثقافي مفتوح، واسع و على كل المستويات مع الطرف الأساسي المعني بالظاهرة الثقافية و هو الشعب.
إن المنظومة الإعلامية، التربوية المتفتحة و المشجعة للحوار الثقافي يجب أن تحل و بسرعة محل المنظومة الشمولية المنغلقة التي تغلل أطراف شعبنا، إن هذا السرطان يلتهم مبالغ هائلة من أموالنا لإنتاج مرضى و متطرفين يزيدون من متاعب المجتمع.
إن المدرسة، السينما، الإذاعة، التلفزيون، الصحافة المكتوبة يجب عليها أن تتولى مسؤولية مهمتها في إنعاش الحديث الثقافي المتنوع و حتى المتناقض، لا أن تكتفي بدور حقير في هدم تراثنا الثقافي و مسح شخصيتنا نزولا عند رغبات العصابات الحاكمة.

4- دور الثقافة :

بإمكاننا تفصيل ما جاء في وصف الثقافة "تمنح الإنسان قدرة التكيف المثالي مع بيئته و محيطه" كمايلي :
إن الثقافة مجموعة من القيم تحدد أنماط التغذية الروحية و العقلية كالمفاهيم الفلسفية، العلوم، الفنون، العقائد الدينية، و أنماط التعبير الإجتماعي كاللغة، الآداب، الفنون، و أنماط الترتيب الاجتماعي كالطبقات الاجتماعية و أنماط التمثيل كالحكم، و أنماط المراقبة و التوجيه و الردع كقوانين العدالة و الأعراف و التقاليد، و أنماط التعريف كالأسماء، و الألقاب و الأنساب ، و أنماط الممارسات الحيوية كالطعام و السكن و الزواج وأنماط النشاطات الأساسية كالفلاحة و الصناعة و التجارة و حتى أبسط أنماط السلوك البشري كطريقة الابتسام و البكاء و إشارات الوجه و مجموع التصورات التي يحفضها الإنسان عن نفسه و عن غيره... إلخ.
فالثقافة إذن تمنحنا وسائل للعيش بانسجام مع أنفسنا و مع غيرنا في محيطنا و هكذا فهي تلعب إلى حد بعيد دور المراقب الذي يسهر على احترام اختيارات الأجداد إذ المجتمع لا يمكنه الاستقرار إلا إذا أحس أفراده بأن الذين سبقوهم يصادقون على ما يقومون به.
إن الثقافة أداة يمارس بها الشعب إرادته على نفسه و يمارس بها السلف سلطته على الخلف و يتحدى الإنسان بخلود قيمها الفناء الذي يمثله الموت، إن الإنسان اخترع الثقافة ليقضي على الموت.

5- الشخصية :

إذا كان النسف الفعلي و الكلي للاستعمار بكل تجلياته (الصريح و الضمني) رهين إنقاذ الشخصية، فليس من زائد الكلام إذن التطرق ل "الشخصية" كمفهوم.
الواقع أن كل الاجتماعيين و النفسانيين ما فتئوا يؤكدون أن للشخصية علاقة عضوية و مباشرة بالثقافة، فالبنيات الاجتماعية و المستهلك الثقافي هو القالب المباشر الذي، على شاكلته و على حجمه كذلك، تتشكل الشخصية الاجتماعية و الفردية، إن نمط الشخصية الشرقية الجانح إلى الميتافيزيقا و العائم في أحلام القوى الخفية يعكس بفصاحة يوميات المجتمعات الشرقية، العامرة بالرموز و الإيحاءات، بالقدر الذي يناقض النمط الأوروبي أسير السجن الذهبي للعقل و البرهان المنطقي الذي يرمي جانبا كل ما كانت مقدماته خاطئة و لا يأخذ إلا بما صح منها.
و بين هذا و ذاك نمط ثالث "ضمنه شمال إفريقيا" ضائع بينهما، عاجز عن القطع للعقل أو لما وراءه، ولعل الأفكار السياسية التي تغذي النضال اليومي لأحزابنا تفصح عن تضاد متطرف بين أفكار متحررة، مشرئبة لقيم العصرنة و أحكام الحضارة و أخرى متدينة في غلو وتزمت جانحة لمآثر السلف.
هذه المواجهة التي لا تخلو من ضحايا في الأرواح و خسائر في الأموال تضع، دون ريب، شمال إفريقيا في صنف الشخصية المريضة التي تكبت هزائمها العديدة بصراخ مثقل بألفاظ النصر.

6- الشخصية و الهوية :

الكثير من العلماء، يميلون إلى تقسيم الشخصية إلى حيزين، أحدهما كتوم، صلب ودائم و آخر مائع و متغير.
إن العديد من التصورات و الاعتقادات التي يكون المجتمع قد عاشها بوعي، راضيا أو مرغما، في مرحلة ما من تاريخه، تكون قد انسحبت بصمت إلى اللاوعي في الذاكرة الاجتماعية، لتسير من هنالك الكثير من تصوراتنا و مفاهيمنا حول أنفسنا، حول الآخر و حول المحيط، هذا الجزء من جهازنا النفسي يسمى بالشخصية القاعدية أو بالهوية: إنها حيز نفسي ملئ بمعطيات تتحكم في سلوكاتنا و في اختياراتنا دون تبريرها، إن الهوية تسمح لأفراد المجتمع بالتأقلم مع المحيط باستغلال عصارة تجاربه الكامنة في اللاوعي.
إن الشخصية القاعدية أو الهوية بإيحاءاتها الآلية تكون حاجزا نفسيا منيعا، يرد بارتجال كل القيم المتعارضة مع مصلحة المجتمع.
إن حساسية الشعب الأمازيغي تجاه صور العساكر الأجانب في مقربة حدوده، يجد تفسيره في مخزونه النفسي الذي يحفظ هناك ذكريات حية عن استعمارات كثيرة مرت من هنا.
أما الحيز المتغير أو الشخصية الآنية أو "الشخصية بكل بساطة" ، فيسمح للفرد بالتعامل مع واقعه حتى و لو كان مناقضا لهويته، إن الشخصية الآنية هامش نفسي يتيح للإنسان تقمص شخصية مغايرة تمكنه من ممارسة الاستسلام للقيم السائدة لضمان بقاءه إلى حين.
إن عادات اللباس، الأكل ، العمران ، اللغة في شمال إفريقيا المعاصرة، المتميزة بخلط دنئ بين أنماط مختلفة (اللباس: قشابية أمازيغية، جبة عربية ، بذلة أوروبية / البناء : نمط معماري أمازيغي في الأرياف ، نمط عربي و آخر أوروبي في المدن / اللغة : خليط من كلمات أمازيغية، عربية، فرنسية، إسبانية و تركية....إلخ) تعكس إيحاءات الشخصية الآنية التي تشكلت بقبول التأثيرات القسرية الغربية و الشرقية.
في المجتمعات المتميزة بصراعات ثقافية مثل "شمال إفريقيا" يطفح القلق الاجتماعي نتيجة التضاد بين إملاءات الحيز الثابت "الهوية" و الحيز المتغير "الشخصية".
و رغم أن هذا النوع من الصراع ينتهي دوما لصالح الهوية، لأنها روح جماعية، صلبة و دائمة، صنعها التاريخ و الأرض بتأن و في مدة طويلة جدا، إلا أنه غالبا ما يمتاز بمرارة حادة.
الخلاصة أن الهوية خزان للحقائق الثابتة، سواء بالبرهان المنطقي أو بالتجربة الطويلة، تؤلف إرثا كبيرا من عناصر تنوير،

تداعيات التعريب

-1-عقدة تأنيب الذات L’auto-accusation:

إن الهجمات التي يتعرض لها التيار الأمازيغي من طرف المثقفين(أفراد أو تيارات) الذين هم أصلا أمازيغ و يتكلمون الأمازيغية هم و عائلاتهم تشير(هذه الهجمات) إلى ظاهرة نفسية عادية رغم غرابتها الظاهرية إنها عقدة تأنيب الذات و التي هي علة المستلبين نفسيا الذين ما إن باشروا عملية الذوبان الفعلي في الهوية الاستعمارية الغالبة حتى وجدوا أنفسهم في مواجهة تيار من أبناء جلدتهم يمثل بنضاله اليومي إدانة مستمرة للاستلاب و المستلبين إن الحركة الأمازيغية تمثل من الناحية النفسية الضمير الذي يؤرق الجسم الاجتماعي بنفس الآلية التي يؤنب بها الضمير الفردي الإنسان الذي يمارس عملا منحطا أخلاقيا أو مرفوضا عقليا إن الحركة الثقافية الأمازيغية تمثل بعملها رمزا يخدش باستمرار كبرياء الخونة الذين يمارسون الاستسلام الثقافي على أنفسهم و عائلاتهم و شعبهم لذلك ستكون و ستبقى الهدف الأساسي لرؤوس التعريب من الأمازيغ خاصة. إن الاحساس الذي يتملك المستلب عندما يرى المناظل الأمازيغي ملء الدفاع عن جذوره هو نفسه ذلك الإحساس الذي يقصم ركاب الخونة عندما يصادفون في الطريق أحد مجاهدي 1954.

2-المازوشية الثقافية:

إن عقدة تأنيب الذات ليست إلا جسرا يقود حتما إلى ظاهرة أخطر بكثير و هي ظاهرة المازوشية الثقافية ، فإذا كانت الأولى مجرد مخيال يصور للإنسان صورة دنيئة عن نفسه، فالثانية مصدر لمتعة غريبة تمكن المستلبين ثقافيا من التلذذ بتهديم ذواتهم .
بتعبير آخر، بعد أن يتم تجريد الفرد من حريته، من مرجعيته و من كل مميزاته الثقافية، ينتقل ( هذا الفرد) إلى حالة من النشاط العنيف ضد كل ما يمكن أن يعود به إلى ثقافته.
إن المازوشية الثقافية سلوك المستأصلين، عديمي الجذور، أسيري هوس مرضي، ناتج عن هلع من أن يثبت يوما، أنهم عاشوا كثيرا مدافعين عن قيم خاطئة بل عن قيم تضعهم في خانة الخونة لشعبهم.

3-الهروب إلى الغرب :

إذا لم يكن من حق المجتمع علينا، فمن حق الموضوعية المجردة أن نعترف بعيوب البعض ممن ينتسب أو ينسب لحركتنا و لعل أخطرها على الإطلاق، هو ذلك المتمثل في نوع من التودد و الإنجذاب، المبالغ فيهما، من طرف بعض المثقفين و بعض المناظلين نحو القيم الغربية .
فإذا كانت الظاهرة مبررة من الناحيتين السياسية و النفسية : الأولى باعتبار القمع الممارس على الأمازيغية في عقر دارها و الثانية بمقتضى النظرية الخلدونية "إقتداء المغلوب بالغالب أو الضعيف بالقوي" فإنها ( الظاهرة) يمكن أن تنتهي إلى استلاب من نفس النوع الذي يؤلف موضوع احتجاجات حركتنا . ثم لا يجب أبدا أن ننسى مبلغ معاناة الثقافة الامازيغية من جيرانها الشماليين، على أيد الاستعمارات: الروماني، الوندالي، البيزنطي، الإسباني، التركي و الفرنسي.
إن تذرع بعض المناظلين بكون الظاهرة مجرد استكان ظرفي لثقافة ديمقراطية محايدة تمتاز بتفتح يتيح كل وسائل و إمكانيات النظال، لا يجب أن ينسينا أن الظرفي أو المؤقت يمكن أن يدوم و نكون حينها قد نزلنا عند من كنا قد فررنا منه.

4- إنكسار التوازنات الجهوية و الفئوية :

المغامرة الثقافية التي تزعمتها، منذ عشريات، مختلف الأنظمة الحاكمة لشمال إفريقيا و التي ترمي إلى تأسيس ثقافة مستوردة، لم تتسبب فقط في تعطيل ملكة الإبداع في مجتمعنا بل كذلك وراء الفروق الثقافية و الاقتصادية العميقة بين المدينة و الريف، بين الساحل و الداخل و بين النخبة و الشعب .
النتيجة كانت إذن عقما عاما، أتاح تسلل التيارات الفكرية الأجنبية المختلفة من الشرقين الأدنى و الأوسط و من الغرب، على أيدي مثقفين أمازيغ يأملون، كل من وجهته، أن يؤلفوا من مستورداتهم عروة مشتركة قد تعيد لأطراف الوطن تماسكها و لكن هيهات .

Germination إنتاش التمايز العنصري-5:

النشاط البعثي بشمال إفريقيا تسبب في حالة جد معقدة، تمتاز من جهة، بعدائية متطرفة تجاه الهوية و الثقافة الأمازيغية و من جهة أخرى، بتحيز مستفز لكل ما يفد من الشرق من التوابل الثقافية ، هذا مظافا إليه السلوكات الشمولية المزعجة، التي تمارسها بإستفزاز الأقلية البعثية في المدن تجاه النشاطات الثقافية المعدة من طرف الأفراد و الجمعيات الأمازيغية، أدى إلى انتشار جو أشبه ما يكون بأجواء المواجهات العنصرية.
لذلك فإن عدم المعالجة الفورية للإشكالية الثقافية في شمال إفريقيا سوف يؤدي إلى ظهور تمايز عنصري هجين و مكذوب و لكن بإمكانه نسف القليل المتبقي من التماسك الوطني.

6-من التعليم إلى التلقين:

من الواضح أن مدلول كلمة "شعب" قد لا يلتقي مع مدلول كلمة "دولة"، مفهوم هذه الأخيرة يوحي عادة بمجموعة من المؤسسات : السياسية، التشريعية ، العسكرية، الثقافية، الإقتصادية ....إلخ.
و حتى مع وجود هذه المؤسسات، قد لا يتسنى التسليم بوجود الدولة إذا لم يتم، و بدقة تحديد أهدافها و حدود صلاحياتها، و هنا مكمن كل الكوارث في شمال إفريقيا، كل المؤسسات موجودة و لكنها كلها منحرفة.
إن أهم مؤسسات الدولة العصرية هي المدرسة، هذا المنافس العنيد للعائلة الذي إن كان مجرد ذكره، في العالم المتقدم، كافيا لاستشفاف كل معاني النبل الراقية، المميزة للجنس البشري من تعليم، تربية، تكوين، تأهيل..إلخ.
فإنه في العالم المتخلف، مثل الشمال الإفريقي، مرادف دقيق لمركز برمجة الإنسان بحشوه بقناعات الحكم القائم أو بقناعات الرئيس الآتي بل و حتى بقناعات وزير التربية و لعل هذا ما يفسر عدم استقرار البرامج التعليمية بل و حتى المنظومة التربوية برمتها.
في شمال إفريقيا و العالم المتخلف عامة، يصعب التفريق بين الثكنة و المدرسة بسبب مساحة التقاطع الكبيرة بين أدوارهما.
إن التعليم الحقيقي هو تسليح المتعلم بعناصر التحليل و النقد، بأوليات المنطق و روح الشك الناقد، بلغة أمه و بلغات الشعوب المتحظرة، بتاريخه و تاريخ الدول المتقدمة، بجغرافية دولته و جغرافية دول العالم، بالظواهر الطبيعية و قواعد المعاملة الاقتصادية و الاجتماعية و الأخلاقية، بمفكري العالم و فلاسفته و علمائه...إلخ. كل ذلك يجب أن يلقن في قالب نسبي، يترك للمتعلم إمكانية رفضها و تكذيبها كلها و بالتالي فتح باب البحث على مصراعيه في كل هذه المواضيع العلمية.
إن الإتجاه الغالب حاليا في المدارس الاوروبية الكبرى، ليس تلقين المعارف و العلوم بل تلقين طرق التعلم الذاتي عبر استغلال الوثائق الكلاسيكي (الكتاب..) أو الالكترونية الحديثة(الانترنت و القرص..).

7- سوق البعث أو الجامعة:

قي ذات الوقت الذي انطلقت فيه حملة جزأرة الجامعة الجزائرية، ألاف أشباه الأساتذة يتدفقون من الشرق الأوسط لتعليم الشعب الأمازيغي و أي تعليم
إن العدد المبالغ فيه من هؤلاء النازحين إلى الجامعة الجزائرية و المغربية كان السبب (الرئيسي ربما) في اشتعال الصراع الهدام بين المعربين و المفرنسين، الذين كان يجب أن تتضافر جهودهم، كل من جهته، من أجل بناء وطنهم.
في غمرة ذلك الصراع المؤسف، لم يكن من الممكن تفادي لجوء كل طرف إلى خلفياته الإيديولوجية، فكان حصاد الصراع عبئا جديدا على الجامعة الجزائرية، متمثلا في انتشار حركة البعث العربي بين الأمازيغ، تحت تنشيط و رعاية أساتذة الشرق الأوسط الأجانب.
أما على مستوى تسيير الجامعة فالغريب أنه في الوقت الذي كانت فيه كل جامعات العالم تقيم الأستاذ على أساس بحوثه المنشورة، يتم عندنا ذلك على أساس المنصب الذي يحتله و آخر مقياس (جزائري) في ترقية الأستاذ بجامعاتنا هو عدد الأطروحات التي يشرف عليها ، فكان من نتيجة ذلك تخرج حملة ماجستير لم يروا الجامعة إلا يوم التسجيل.
المهم أن السلطة الإدارية التي يتمتع بها غالبا العناصر المرتشية و الأكثر رداءة، تسببت في هروب زملائهم الأكثر أهلية و الأوفر إنتاجا و النتيجة على المدى الطويل هي، قطعا، تفريغ الجامعة من العناصر النظيفة الأكثر أهلية لقيادتها.

8- تخريب الآثار :

في تناسق تام مع سياسة الإستئصال الممارسة من طرف أنظمة شمال إفريقيا، يبقى التاريخ المستهدف الأول من طرف أدعياء البعث، فهو نقطة ضعفهم الوحيدة، لأن في طياته كل الشرور التي تسببوا فيها و على ظهر صفحاته كذلك كل إنجازات شعبنا قبلهم .
إن الحالة التي توجد عليها المعالم الأثرية الأمازيغية في شمال إفريقيا، مراكز الأرشيف و المراجع بالإضافة إلى بناء المدن بمحاذاة أو فوق المدن الأثرية، غظ الطرف عن التنقيب اللاقانوني، منح رخص البناء على المساحات الأثرية كلها إشارات تنم عن استثمار سيء في طريق استئصال الهوية الأمازيغية لشمال إفريقيا .
إن تركيز السلطات على إبراز آثار الفترة العربية و التركية على شاكلة تركيز المستعمر الفرنسي على إبراز و إصلاح الآثار الرومانية، ليس من هدف له إلا تعميم الانطباع بعقم هذا الشعب على مر تاريخه.
كل هذه الممارسات كانت وراء تحرك حركتنا للمطالبة باستعادة آثارنا الخاصة التي تبرز هويتنا الأمازيغية.

9- تحريف العلوم الإنسانية :

المشكل في مدرستنا اليوم ليس في تعليم العلوم الإنسانية أو عدم تعليمها بل في طريقة تقديمها.
فبينما يقدم بعض العلماء على أنهم كفرة، زنادقة و دراويش يقدم آخرون على أنهم معصومون لا شك في نظرياتهم في حين يتم وبجرة قلم حذف بعض الأسماء اللامعة -عالميا- في هذه العلوم من قائمة العلماء لأسباب إيديولوجية بحتة.
إن كليات الآداب و العلوم الإنسانية تمثل في شمال إفريقيا قمة الانحراف في المنظومة التربوية.

أسباب تخلف الثقافة الأمازيغية

1-البيروقراطية :



إن السلوك التسلطي الذي يمارسه الموظف في شمال إفريقيا، ليس إلا تقليدا موغلا في القدم، موروثا عن مختلف الاستعمارات التي تداولت أرضنا، فعلى مر تلك الأزمنة، بدا الموظف سمسارا متاجرا، لا يتورع عن تسويق إخوانه و تخريب كيانهم الثقافي مقابل أجر يتناسب مع شراسة تدخلاته.
إذ في الوقت الذي تبدو فيه الإدارة في الدول الحديثة جهازا يقدم خدمات هائلة للمجتمع، تبدو فيه عندنا جدارا هائلا يزيد من متاعب الشعب و يتعمد بأساليب جامدة و قاسية مراقبة المثقف و منع أي تقارب بينه و بين الشعب.
لقد لعبت الإدارة العمومية، تحديدا، الدور الذي من المفروض أنه قضي عليه بالقضاء على الاستعمار.
إن الصورة التي يستحضرها المواطن دوما و المتمثلة في تفاهة المسؤولين و عدم جديتهم، يكرسها يوميا الموظف البسيط الذي بإمكانه، رغم تفاهة منصبه، تعطيل القوانين المختومة بتوقيع رئيس الدولة.
إن الرشوة و التشريفات و الانحياز للعائلة أو الجهة، و التي تميز إدارتنا اليوم، تذكر بتقاليد الأعيان العتيقة من الهدايا و الانحناء و عادات التضامن القبلي، مما يضع الإدارة موضع الحليف المعاصر لسلطة الأعيان البالية الخادمة للمعمر الأجنبي.

2- خيانة النخبة الوطنية :

ما كان لثقافتنا أن تنحط إلى هذا المستوى، كما لم يكن للاستعمار أن يطول لولا خيانة النخبة الوطنية التي كان من المفروض أن تكون في صف العاملين على إذكاء الوعي القومي و على التمسك بالشخصية الأمازيغية الأصلية لشعبنا، و لكنها فضلا عن تحولها إلى أبواق تردد أفكارا أجنبية لم تزد إلا في عزلها عن الشعب، دخلت في صراعات عديمة الجدوى ضد بعضها البعض.
هذا الصراع المشبوه هو الذي كان وراء عدم قدرة البلاد على التوفيق بين ثقافتها و مجهودها التقدمي.
فبقدر ما ينم انقسام النخبة المثقفة بين شرقيين و غربيين، عن استسلام مصلحي مقيت لقناعات الأنظمة الحاكمة، بقدر ما يلقي الضوء على درجة جهلهم بحقائق وطنهم، باستثناء طبعا تلك الأقلية التي تستدعي الموضوعية التنويه بمواقفها و التي رغم تعمقها في الثقافات الأجنبية، حافظت على ضميرها الحي و لم يثنها حصار الصمت المطبق عليها عمدا، من التنبيه و التنديد بالأخطار التي ينطوي عليها الاستيلاب الثقافي.

3- خيانة البورجوازية الوطنية :

إن تاريخ شمال إفريقيا يتميز فيما يتميز به بذلك الصراع المرير الذي قاده الفقراء من أبناء الشعب ضد الاستعمارات المختلفة و المتعاونين معهم من الأعيان و الأغنياء، هذا الصراع لم يسمح بتكوين بورجوازية وطنية واعية و عاملة لخلق مجتمع قومي تتكامل فيه القومية السياسية و القومية الاقتصادية-الاجتماعية .
ففي الوقت الذي كان على بورجوازيتنا، كمثيلاتها في القوميات الأوروبية أن تضحي بجزء من مصالحها الأنانية في سبيل تطوير متعدد الأوجه للأمة، التي هي مصدر غناهم على الأقل، آثروا بدل ذلك، الإندفاع في السرقة و الاحتيال و التشجيع الخبيث للتقاليد البالية.
إن ظاهرة رفض البورجوازية الوطنية للقيم الديمقراطية و مجاراتها للطبقات الدنيا في القناعات السياسية العتيقة، التي تعمق الجهل، يبررها خوف مستمر من تنبه الشعب إلى المستفيدين الحقيقيين و الحصريين من ثروات الوطن.
إن فكرة "الشرفة" أو "النبلاء" التي غالبا ما تعني الانتساب للعائلات العربية الراقية وسيلة جهنمية، اخترعتها البورجوازية المحلية لحماية امتيازاتها اللاشرعية، بتقليص العلاقة بينها و بين الشعب "بمنع الزواج من غيرهم مثلا" من جهة و ترفع اجتماعي يضعها موضع الحكم في الخلافات المحلية التي تجتهد في إدامتها من جهة أخرى.

4- المدينة اللقيطة:

من المفيد التذكير بأن مشكل الانفصال بين لغة الشعب و اللغة الرسمية و الذي ينطوي على أخطار محدقة بإمكانها زعزعة استقرار أي أمة، قد عرف أول ظهور له في المدينة المستعمرة قبل الدولة النوميدية.
إن إنسان المدينة في شمال إفريقيا و منذ عشرات القرون، ظل سجين النفسية المستلبة، التي صنعها الاستعمار و التي تتغلب فيها الشراهة الاقتصادية على أغلى و أنبل قيم الأصالة.
إن ألفاظ الاحتقار "جبري"، "جبايلي" المتداولة خاصة في المدن التي أسسها مختلف المستعمرين، تدل على تلذذ مرضي باحتقار كل ما هو محلي، في نوع من التقمص الوهمي لصور المستعمرين الذين لم يرحلوا إلا بعد أن ورثوا ابن المدينة قيم الغرور و الاستعلاء عن ابن الوطن.
إن ابن المدينة في شمال إفريقيا، يفتقر إلى أبسط القيم الثقافية التي تخوله الانتساب إلى الوطن، لذلك فإن إعادة الاعتبار للأمازيغية، يمر حتما باختفاء مصطلح "ابن المدينة"، رمز الركوع الذي يذكر غروره بالغزاة الأجانب، و لن يتأتى ذلك إلا بإصلاحات جذرية تمس الأساس الثقافي للمدينة.

5- القومية العربية:

لنبدأ بإيديولوجية "الزنجية" التي انتهت إفريقيا و آسيا "بما فيهم العرب" إلى إدانتها و رفضها رغم أنها عبرت في زمن ما عن كل المطالب الشرعية في إعادة تثمين الخصائص الثقافية للإنسان الأسود، ضحية أكثر السلوكات الهمجية قربا من الحيوانية.
إن الزنجية رغم طابعها العنصري، الذي يرد بالمثل على الإنسان الأبيض، خطة تشريف لقيم الإنسان الأسود تماما مثل العروبة التي تمثل آيات التمجيد و التنويه بفضائل العرب و مآثرهم، فإذا كانت الأولى "الزنجية" رد فعل قاس على استعباد الوحش الأبيض للإنسان الأسود، فإن الثانية ممارسة صريحة للاستعمار في شمال إفريقيا لأنها فعل و ليست رد فعل، فما سبب رفض الأولى و تشجيع الثانية ؟
إن حركة القومية العربية اختراع غير عربي، إنتاج استعماري ولد في أوروبا على إثر ظهور نظريات "التفاوت الثقافي" الممهدة لنظريات "التفاوت العرقي" الهادفة آنذاك، إلى تبرير الاستعمار.
إن الطرح الرامي إلى إلحاق شمال إفريقيا ثقافيا و لغويا بالشرق الأوسط و بتجاهله الكم الهائل من الاختلافات الثقافية بينهما، لا يعدو أن يكون إلا دعوى إلى نوع من الزواج الجماعي بالمراسلة.
فكما أدى التهجين الثقافي للعراق و سوريا و مصر إلى الحديث عن درجات العروبة "عرب عاربة و عرب مستعربة" أي عرب أصيلة من الدرجة الأولى و أخرى هجينة من الدرجة الثانية، فالتعريب الكلي لشمال إفريقيا سوف يؤدي حتما إلى ترتيبنا في أدنى درجات العروبة.
و لعل أخطر الأسلحة المستحدثة لدى منظري القومية العربية، هو استعمال الإسلام لتبرير أطروحاتها الشمولية في شكل يذكر بالزمن الذي كان فيه العرب يمارسون النخاسة على المسلمين. إن شهرة الأمازيغ بتوغلهم في إفريقيا و أوروبا من أجل تحرير الشعوب بالإسلام، يقطع الطريق أمام كل استعمال للدين لتمرير المشروع البعثي في أرض الأحرار

الإصلاح الثقافي

1- الإصلاح الثقافي إصلاح للمجتمع:

من أجل إصلاح عام، لا مفر من تمكين الأمازيغي من توظيف إرثه الثقافي في خدمة وطنه لسبب بسيط هو أن للثقافة علاقة تآثر (تأثير و تأثر) مع كل منظومات المجتمع الأخرى (الاقتصادية، السياسية ... إلخ) .
إن إعادة الاعتبار للثقافة الأمازيغية ضريبة لا غنى عنها من أجل إصلاح عام في شمال إفريقيا.
إن التخلص من أثقال المقاومة التي تجر بلداننا نحو التخلف يمر حتما بمراجعة عميقة وربما أليمة كذلك لكل المؤسسات الحالية.

2- الأدب الشفوي معطيات تشخيصية (Données diagnostiques):

إن الإحساس بالأمان الذي يوفره الأدب الشفوي (لأن الكتابة توفر أدلة الإدانة، فأقل ما يمكن من الكتابة يساوي الأمن في الأنظمة الشرسة) بالإضافة إلى سيولته (الأدب الشفوي) سمحا له بنمو كبير، هذا النمو، رغم فوضويته، يعكس بدقة الحالة النفسية التي تطبع عمق المجتمع.
إن أهمية الأدب الشفوي تأتي من الإشارات التي يحملها، في آن واحد، عن أمراض المجتمع التي تسببها اللاتوازنات الفكرية و النفسية و كذلك عن الصفاء و الفعالية السابقين.
إن القصة، الرواية، الأسطورة، الحولية، القصيدة، الملحمة، النغمة الموسيقية، الرقصة، المثل الشعبي ... إلخ مذكرات أصيلة و فعالة تكفي لتحرير تقرير مفصل، لا يمكن الشك في موضوعيته، عن الأمراض التي تقرض المجتمع من داخله و التي تبدو مستعصية إلى حد الآن.
بحولية واقعية (complainte) واحدة، يمكن لاختصاصي بكل سهولة أن يستحضر ذهنيا و بدقة مختلف الأحداث و الصعوبات (المادية و النفسية) التي عاشها كاتبها و شعبه مهما غارت في القدم.

3- القلق الاجتماعي أولى مراحل الإصلاح:

من الخطأ الاعتقاد بأن القلق الاجتماعي هو فقط، مؤشر لحالة مرضية بل هو كذلك وسيلة تعبير، يعكس رفضا اجتماعيا لواقع معين بواسطة هيجان بعض العواطف الحادة، فهو إذن أنين اجتماعي يفيد طلبا ملحا للتغيير.
إن التوتر الاجتماعي ليس فقط مصدرا لتوليد الطاقة التي تمكن المجتمع من سحق عزوم العطالة moments d’inertie التي تعيق تقدمه و تغيره بل هو كذلك مؤشر على نضج اجتماعي، باعتبار صبه في اتجاه الحركية الرافضة للركود.
هذه الاعتبارات هي مصدر الفكرة القائلة باستحالة تغير المجتمعات التي لا تسجل فيها أعراض القلق الاجتماعي.
إن التحذير (اجتماعيا هو مجرد وسيلة لنشر القلق) يجب أن يكون من المهام الأساسية لكل الحركات المشرئبة للتغيير و لكن، طبعا التحذير الواعي المتحكم فيه و المراقب من طرف عناصر عليمة وواعية بمصلحة الوطن و سلامة أفراده و كذلك بالحدود الفاصلة بين التحذير الذي يعني النصح و التنبيه و ذلك الذي يعني التهديد و الوعيد.

4- الإقتباس ضرورة خطيرة:

بجانب الإبداع، يمكن للاقتباس أن يلعب دورا مهما في الإصلاح الثقافي إلا أنه من المفيد التذكير بأنه، مع غياب المراقبة، يمكن للاقتباس أن يتحول إلى تقليد أعمى و منه إلى تبعية أخرى.
و حتى مع استبعاد هذا الخطر، فإن نجاح الاقتباس رهين تحمل المجتمع لمشقة التأقلم و المجتمعات التي تعيش صراعا ثقافيا تمتاز عادة بضعف القدرة عليه (التأقلم).
إن الاقتباس في كل المجتمعات المتوترة ثقافيا يثير دوما عواطف فزع، ناتجة عن عقد التأنيب التي تكبل أفرادها و هذه العواطف من شأنها تطعيم القوى الرجعية الرافضة للتغيير و التي يجب قطعا العمل للقضاء عليها.
من هنا تبدو ضرورة الحوار الواسع مع الفرد الاجتماعي قصد إقناعه بأهمية الاقتباس الأجنبي كرافد للثقافة المحلية.


5- أهمية التكفل الشعبي بالإصلاح الثقافي :

إن ضعف التجاوب الشعبي مع النشاط الثقافي الرسمي، يجد تفسيره عند منظري التسيير الحكومي للثقافة في انغلاقية المجتمع على أفكاره المهجورة و المتجاوزة.
طبعا ليس من شأن هذه التفاسير المهينة أن تنبع من تحليل علمي اجتماعي موضوعي لسبب بسيط هو أن للثقافة وسائل ذاتية للدفاع عن نفسها، فمقاطعة الشعب لنشاط ثقافي معين، لا يمكن أن يجد تفسيره إلا في عجز هذه الثقافة عن النفاذ إلى عمقه أو بتعبير آخر هذه الثقافة أجنبية و الشعب لا يتذوقها.
و لعل ممارسة العمل الثقافي علمتنا أن نجاح أي نشاط ثقافي يمر حتما عبر المشاركة الشعبية و التي تتعلق بدورها بقوة عواطف الإثارة الناتجة عن دغدغة الرموز المبثوثة عبر هذا النشاط للمكنون الثقافي للمجتمع.
إن الاستقبال البارد الذي يواجه الكثير من النشاطات الثقافية الرسمية في شمال إفريقيا لا يعبر إلا عن رفض اجتماعي لها و عليه فإن أي إصلاح ثقافي مآله الفشل الذريع إذا تجاهل أصحابه موضوعه و هو الشعب، فتأشيرة المجتمع و قبوله لأي إصلاح هو الضامن الوحيد لنجاحه المتعلق بحجم المشاركة الشعبية في تحقيقه.

6- أهمية الوعي الشعبي بمقتضيات الإصلاح:

بالإضافة إلى ما قيل، فإن إحساسا كاملا بالراحة يجب أن يتغمد المجتمع قبل مباشرته لأي إصلاح ثقافي و لن يتأتى ذلك إلا بتقدير دقيق من طرفه لكل الأخطار المحتملة.
إن ما يميز المجتمع عن الفرد هو وفاءه بكل التزاماته و لكن المجتمعه لا يتعهد إلا إذا استعاب بوعي كل ظروف العملية الإصلاحية و اقتنع بوجهتها التي لا يجب أن تبتعد كثيرا عن قيمه الأساسية.
هذه الصرامة التي ينفرد بها المجتمع تجد تفسيرها في كون كل عملية إصلاح مساوية من الناحية النفسية، لإدانة مؤلمة لكل المؤسسات الاجتماعية القائمة و المجتمع لا يتقبل الإدانة إلا مقابل منحى واضح و دقيق لعملية التغيير.
لهذا وجب أن تسبق عملية الإصلاح مرحلة إعداد نفسي لا يمكن الاستغناء عنها، يكون من بين أهدافها الأساسية:
* إقناع المجتمع (كل المجتمع) أن الإصلاح لن يرهن و لن يجازف بقيمه الأساسية بل لن يؤدي إلا إلى توظيف واع لها، يمكنه لاحقا من تطهيرها بالتخلص من أقلها ملائمة للعصر.
* إقناعه بأن منتهى الإصلاح ليس الاستغناء عن إرث الأسلاف بل فقط، عيش هذه القيم بطريقة أخرى، أكثر حداثة.
فكل إصلاح ثقافي إذن فاشل بالضرورة إلا إذا قرره الشعب و نفذه بنفسه على نفسه.

7- تثمين الإصلاح:


صحيح أن العلاقة التي تربط الإنسان بثقافته علاقة وجود (لأن المنسلخ ثقافيا غير موجود "فعلا") و لكن قبل أن يعيش الإنسان قيمه الثقافية يجب أن يعيش أيامه أي أن يأكل، يشرب، يسكن و ينعم بالأمن.
إن الإصلاح الثقافي، في الحقيقة، عملية تكييف مؤلمة و معقدة جدا لا يمكن التعبئة لها إلا مقابل حجج كثيرة و قوية من بينها الحجة الاقتصادية.
يجب إذن أن يكون المجتمع على علم بأن الإرث الثقافي رأس مال حقيقي بإمكانه أن يكون مصدرا باهرا للثروة الاقتصادية، فبالإضافة إلى الأموال الطائلة التي يوفرها لنا الاستغناء عن استيراد المنتوج الثقافي الأجنبي، بإمكاننا تحقيق مداخيل هائلة بمجرد إيقاظ العبقرية الذاتية لثقافتنا.
إن شراسة الحملة المشبوهة ضد أغنية "الراي" لا تغذيها في الحقيقة الاعتبارات الأخلاقية المعلنة بل حجم الأموال التي استعادتها أغنية "الراي" على حساب الأغنية الشرقية في سوقها التقليدي، من المؤسف أن البلاهة الاقتصادية للشعب الأمازيغي لا تسمح له بالتنبه إلى أن "الراي" أكثر أخلاقية من الأغنية الشرقية.
ثم إن إخراجا تلفزيونيا بسيطا لقصصنا و أساطيرنا يكفي لاسترجاع ملايير تمتصها مؤسسات أجنبية، مقابل مسلسلات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها فارغة المحتوى و نفس الشيء فيما يتعلق بفن العمارة التي بإمكان إخضاعها للطراز المحلي تجنيبنا صرف أموال طائلة لفائدة مكاتب دراسات و مقاولات أجنبية عربية و غربية.
في الأخير و باختصار شديد، إن الثقافة الأصيلة (أفكار، مؤسسات، نمط عقلي ...) لمجتمع ما ليست في الحقيقة إلا وسيلة ذكية، صقلتها التجربة التاريخية، تمكن المجتمع من ضمان احتياجاته العضوية، الروحية و العقلية بأقل تكلفة ممكنة

الأمازيغة الخطيرة

1- أمازيغية التقهقر:

إن ضراوة النضال من أجل ثقافة أصيلة، لا يجب أن يحول اهتماماتنا عن أن التعلق المفرط بالماضي بإمكانه تشجيع بل و خلق الأفكار المتخلفة، الرافضة لكل أنواع التجديد.
فالنضال الأمازيغي يجب أن يهدف أساسا إلى إعادة تثمين كل قيمنا الإيجابية، ذات العلاقة بهويتنا الوطنية و ليس بعث و إحياء التقاليد البالية التي كانت وراء تخلفنا.
تحليل ماضينا، تجديد لغتنا، إذاعة و نشر خصوصياتنا، استغلال ملكاتنا الفنية و العملية، ذلك ما يجب أن تصرف من أجله حرارة نضالنا و ليس بعث المنطق الخرافي الذي كان يميز المجتمعات البدائية المنقرضة.
فإذا كان العلم ينفي وجود ثقافة "متخلفة"، فلم يحدث له أن أنكر وجود قيم متخلفة، بهذا المفهوم فقط يمكننا أن نقول أننا نسعى إلى استرجاع الماضي و ليس العودة إليه.

2- أمازيغية السلطة:

القيم الثقافية، في مجملها، ليست إلا عقدا اجتماعيا، ذا صفة قانونية اعتبارية خفية و غير مكتوبة، متفقا عليه بطريقة ما، يلزم كل أفراد المجتمع عبر آلية نفسية معقدة (سلطة الضمير)، على احترام بنوده و الوقوف عند حدودها، هدفه هو تسيير الحياة الجماعية بواسطة مؤسسات ثقافية-اجتماعية و هذا ما يعطي للقيم الاجتماعية قوة تحكم و مراقبة و توجيه تجعل منها وسيلة ممتازة للتسلط و الحكم.
عند الحكومات المتسلطة، اللاديمقراطية، تؤلف الثقافة دوما جزءا من القوة العمومية الممارسة، طبعا، على الأنفس و الأفئدة إلا أنها ليست أقل فاعلية من بنادق البوليس و رشاشات الجيوش.
لهذا السبب لا يمكن أن ترجى فائدة تذكر من تسيير الحكومات لقطاع الثقافة إلا إذا كانت ديمقراطية.

3- أمازيغية القبيلة و العرش:

كلمة "Ayt Flan " لم تكن تعني أبدا "مجموعة أفراد تربطهم علاقة أبوة أو نسب" فكلمة "قبيلة" في شمال إفريقيا لم يكن إلا نوعا من التمييز بواسطة التجميع Désignation par attroupement أي أن عبارة "Ayt Flan" كانت تعني "مجموعة أفراد (حتى ولو جاءوا من أنساب مختلفة) يحتلون حيزا ترابيا معينا" لذاك، غالبا ما يقال Ayt Merroûk أي المغاربة، Ayt Tounes التونسيين، Ayt Wedrar أي سكان الجبل يل حتى Ayt berrâ المهاجرون ... إلخ، مما يؤكد أن التأثير الثقافي المشرقي هو الذي كان وراء تسريب معنى "النسب" لكلمة "القبيلة" في شمال إفريقيا.
فإذا كانت الروح القبلية، على هذا القدر من الغرابة في شمال إفريقيا، فإن الكلام عن الثقافة يصبح حينها مجرد فخ مسموم، لأنه بالإضافة إلى كون مصائر الشعوب المعاصرة ترتسم، في أغلبيتها، بعيدا عن حدودها الجغرافية
إن التقدم الهائل لقطاع الاتصال، قد زج بها في مواجهة تحديات، غالبا ما تتعدى مجالاتها الترابية الضيقة.


المناظل الأمازيغي

1- مناظل مثقف و ميداني:

إن قوة العلاقة بين الثقافة و المجتمع تجعل من العسير تصور مثقف عديم الارتباط بالشعب، فغاية عمله هي قيادة الشعب نحو مقتضيات قيمه الثقافية، إن المثقف أمير و المجتمع موضوع حكمه، لقد نقل لنا التاريخ أخبار شعوب عاشت بدون ملوك و لكنه لم يحدث أن حدثنا عن ملوك بدون شعوب، إن مصلحة المجتمع تقتضي تتويج المثقف بتسلمه حق قيادة الشعب، لأنه إن كان يحتكم لنفس القيم التي يحتكم إليها أي مواطن بسيط، فالمثقف يمتاز عن هذا الأخير في كونه يعيشها بوعي، أي أنه و هو يمارس الخضوع لقيمه الثقافية، يعرف جيدا مصدرها و يدرك بدقة الاتجاه الذي تجر المجتمع نحوه، إنه يحللها و يلقي عليها الأضواء و يجعل منها موضوعا للتفكير.
عكس الانعزال الصوفي أو النخبوي الذي لا يسمح للمثقف بقيادة الشعب و لا بالتكلم باسمه و لكن إلى حد مقبول، لأن التجارب التاريخية علمتنا كذلك أن الانغماس بابتذال في البيئة الشعبية ليس له أي أثر ثقافي، بقدر ما يفتح الأبواب لكل أنواع الصراع الشعبوي حول تفاهات الزعامة.

2- المناظل لا ينتج لجمع الأموال:

عندما يعترف المناضل الأمازيغي بأنه شمعة يجب أن تحترق ليستضئ بها غيره، حينها لابد عليه أن يرضى بكفاف العيش إذا لم يتمكن من ثروة مشروعة لا ترهن حريته.
لأن الحرية بالنسبة للمناضل مثلها للفنان، يمنعه تمسكه بها من أن يرهنها لغيره في أنظمة متخلفة، تتضافر كل مؤسساتها في تقييد أفكار المواطنين مقابل أجور تتناسب و درجة ولائهم.
إن مصلحة المجتمع تفرض على الحركة الثقافية الأمازيغية التنديد بحزم بالمثقفين المرتزقة، الذين لا ينتجون إلا لجمع الثروة مقابل سحق الكيان الثقافي لأمتهم.
إن نبل الرسالة التي يبلغها المناضل أرقى من أن تطغى عليها اعتبارات أخرى و خاصة المادية منها.
يبقى، طبعا، من حق أي مواطن أن يسترزق من إنتاجه الثقافي على أن يمسك، فقط، عن تسمية نفسه بالمناضل، لأن هذا النعت مرادف "للأضحية" و المناضلون وقود مجاني يجب أن يحترق لإصلاح المجتمع.

3- المرأة المناظلة :


لقد سجل تاريخنا للمرأة الأمازيغية أدوارا نضالية برهنت بها على قدرتها حتى على جر الرجل وراءها، لقد أثبتت أنها يمكن أن تحارب، أن تربي، أن تصنع و أن تقود.
إن الصورة التي تركتها "الكاهنة الملكة و لالا فاطمة المقاتلة و جنديات ثورة التحرير الكبرى" تدعو بإلحاح إلى إنهاء تقليدنا البذئ للشرق في تصوره الجنسي للمرأة، فإذا كانت كل البحوث العلمية للعالم المتقدم منصبة على البحث عن مصادر الطاقة، فمن المضحك أن تتعمد مجتمعاتنا تعطيل أكثر من نصف طاقاتها بإبعاد المرأة أو تهميشها بدعوى أفكار غريبة لا صلة لها لا بالعقل و لا بقيمنا الثقافية.
إن تجهيل المرأة كارثة حقيقية، لأنها المدرسة الأولى، المطعم الأول و المنام الأول بل هي العالم الأول الذي تطأه أقدامنا.

4- المناظل الأمازيغي عدو القبلية:

إن الدفاع عن الحقوق الثقافية و السياسية للأمازيغ، دفاع عن الإنسانية بصفة عامة.
إن الدفاع عن أمازيغيتنا عمل عالمي بمحليته، لا يمكن أن يطرح في إطار عنصري يقصي الثقافات الأجنبية، فما بالك إذا تعلق الأمر بخصوصيات ميكروسكوبية "قبلية" ؟
ففي الوقت الذي يشهد العالم تكتلات مريبة تمتد عبر قارات كاملة و في اللحظة التي يصبح فيها القمر جزءا من الأرض، تشهد مجتمعاتنا ارتكاسا خطيرا باستعمال العلاقات و العواطف القبلية في العمل السياسي.
إن كون القبلية منبع الإنتاج الثقافي لا يجب أن ينسي المناضل كون القبيلة (بمفهومها العربي أي النسب) كلفت شعبنا حديتا ملايين الأرواح البريئة بل هي التي كانت وراء فشل الكثير من ثورات شعبنا في وجه غزاته الأجانب ثم أن القبيلة بالمفهوم العربي، و بغض النظر عن بعض عواطف التضامن التي تميزها، مجرد فتات ملتصق (لأن داخل كل قبيلة قبائل فرعية) مبني أساسا على تحالف هش لمصالح أنانية شبه سياسية و اقتصادية.
إن القبيلة يمكن استئصالها بتنمية الاتصال و توحيد اللغة لأنها ظاهرة تعتمد في وجودها على الموقع الجغرافي و اللهجة المحلية و في انتظار ذلك تقتضي المصلحة الجماعية عزلها نهائيا على الصعيد السياسي و محاربتها (بمحاربة أدعائها) بدون هوادة .

لهذه الفقرات مراجع متنوعة
نتأسف عن عدم تسجيلها في وقتها